عن هؤلا الرجال أخبرتك

 حكى أبو بكر الطرطوشي رحمة الله تعالى عليه قال : سمعت استاذنا القاضي ابا الوليد يحيى قال : بينما المنصور بن أبي عامر (ت392هـ) في بعض غزواته إذ وقف على نشز من الارض مرتفع فرأى جيوش المسلمين من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله قد ملأوا السهل والجبل ، فالتفت إلى مقدم العسكر وهو رجل يعرف بابن المضجعي فقال له : كيف ترى هذا العسكر أيها الوزير ؟  قال : أرى جمعا كثيرا وجيشا واسعا كبيرا ، فقال له المنصور : ما ترى هل يكون في هذا الجيش ألف مقاتل من أهل الشجاعة والنجدة والبسالة ، فسكت ابن المضجعي ، فقال له المنصور : ما سكوتك أليس في هذا الجيش الف مقاتل ؟! قال : لا ، فتعجب المنصور !! ثم قال : فهل فيهم خمسمائة مقاتل من الابطال المعدودين ، قال : لا ، فحنق المنصور ثم قال : أفيهم مائة رجل من الابطال ؟ قال : لا ، قال : أفيهم خمسون رجلا من الابطال ، قال : لا ، فسبه المنصور واغلظ عليه وأمر به فأخرج على اسوأ حال ، فلما توسطوا بلاد الروم اجتمعت الروم وتصاف الجمعان فبرز علج من الروم بين الصفين شاكي السلاح وجعل يكر وبفر ويقول هل من مبارز ؟ فبرز إليه رجل من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله العلج ، ففرح المشركون وصاحوا واضطرب المسلمون لها ، ثم جعل العلج يموج بين الصفين وينادي هل من مبارز اثنين لواحد فبرز إليه رجل من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله العلج وجعل يكر ويحمل وينادي ويقول هل من مبارز ثلاثة لواحد فبرز إليه رجل من المسلمين فقتله العلج ، فصاح المشركون وذل المسلمون وكادت ان تكون كسرة فقيل للمنصور : مالها إلا ابن المضجعي ، فبعث إليه فحضر فقال له المنصور : إلا ترى ماصنع هذا العلج الكلب منذ اليوم ، فقال : لقد رأيته فما الذي تريد . قال : ان تكفي المسلمين شره قال الآن يكفي المسلمون شره إن شاء الله تعالى ، ثم قصد إلى رجال يعرفهم فاستقبله رجل من اهل الثغور على فرس قد تهرت اوراكها هزالا وهو حامل قربة ماء بين يديه على الفرس والرجل في حليته ونفسه غير متصنع ، فقال له ابن المضجعي : ألا ترى ما يصنع هذا العلج منذ اليوم ، قال : قد رأيته فما الذي تريد ، قال : أريد أن تكفي المسلمين شره ، قال : حبا وكرامة ، ثم إنه وضع القربة بالأرض وبرز إليه غير مكترث به فتجاولا ساعة فلم ير الناس إلا المسلم خارجا إليهم يركض ولا يدرون ما هناك وإذا برأس العلج يلعب بها في يده ثم القى الرأس بين يدي المنصور ، فقال له ابن المضجعي : عن هؤلاء الرجال أخبرتك ، قال : فرد ابن المضجعي إلى منزلته واكرمه ونصر الله جيوش المسلمين وعساكر الموحدين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب