فتح كاشغر

قال ابن الأثير : وكان قتيبة بن مسلم (ت96هـ) بعد أن فتح كاشغر قد كتب له ملك الصين أن يبعث له رجلا شريفا يخبره عنهم وعن دينهم . فانتخب قتيبة عشرة لهم جمال و ألسن و بأس و عقل  فأمر لهم بعدة حسنة و متاع حسن و خيول حسنة و كان منهم هبيرة الكلابي فقال لهم إذا دخلتم عليه فأعلموه أني قد حلفت أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم و أختم ملوكهم و أجبي خراجهم.

فساروا و عليهم هبيرة فلما قدموا عليهم دعاهم ملك الصين فلبسوا ثيابا بياضا تحتها الغلائل و تطيبوا و لبسوا النعال و الأردية و دخلوا عليه و عنده عظماء قومه فجلسوا ولم يكلمهم الملك و لا أحد ممن عنده ، فنهضوا فقال الملك لمن حضره : كيف رأيتم هؤلاء؟  ، فقالوا: رأينا قوما ما هم إلا نساء ما بقي منا أحد إلا انتشر ما عنده .

فلما كان الغد دعاهم فلبسوا الوشي و العمائم الخز و المطارف و غدوا عليه ، فلما دخلوا قيل لهم : ارجعوا و قال لأصحابه كيف رأيتم  هذه الهيئة ؟ قالوا أشبه بهيئة الرجال من تلك ، فلما كان اليوم الثالث دعاهم ، فشدوا سلاحهم و لبسوا البيض و المغافر و أخذوا السيوف و الرماح و القسي و ركبوا . فنظر إليهم ملك الصين فرأى مثل الجبل فلما دنوا ركزوا رماحهم ودفعوا خيلهم كأنهم يتطاردون . فقال الملك لأصحابه : كيف ترونهم؟ قالوا ما رأينا مثل هؤلاء
فلما أمسى بعث إليهم أن ابعثوا إلي زعيمكم فبعثوا إليه هبيرة فقال له ملك الصين: "قد رأيتم عظم ملكي و أنه ليس أحد منعكم مني و أنتم في يدي بمنزلة البيضة في كفي و إني سائلكم عن أمر فأن لم تصدقوني قتلتكم".
قال: سل . قال : "لم صنعتم بزيكم الأول اليوم الأول ، و الثاني والثالث ما صنعتم ؟". قال هبيرة : "أما زينا الأول فلباسنا في أهلنا ، و الثاني فزينا إذا أمنا أمراءنا و الثالث فزينا لعدونا".  قال : "ما حسن ما دبرتم دهركم فقولوا لصاحبكم ينصرف فإني قد عرفت قلة أصحابه و إلا بعثت إليكم من يهلككم".  فقال له هبيرة : "كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك و آخرها في منابت الزيتون ؟(فلسطين) و أما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فاكرمها القتل و لسنا نكرهه  و لا نخافه و قد حلف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم و يختم ملوككم و يعطى الجزية . أعادت هذه المقالة ملك الصين إلى صوابه فاعتدل في كلامه وقال لهبيرة : فما الذي يرضي صاحبكم ؟. قال : إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم ، ويختم ملوككم ، ويعطي الجزية . قال : فإنا نخرجه من يمينه و نبعث تراب أرضنا فيطأه  ، و نبعث إليه ببعض أبنائنا فيختمهم ، و نبعث إليه بجزية يرضاها ، فبعث إليه بهدية و أربعة غلمان من أبناء ملوكهم ، ثم أجازهم فأحسن فقدموا على قتيبة ، فقبل قتيبة الجزية و ختم الغلمان و ردهم ووطئ التراب .
 
الكامل في التاريخ لابن الأثير (ت630هـ) المجلد 4

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب