سكة الحجاز

أنَّ أعظم مشروعات عبد الحميد الثاني (ت1336هـ) الحضارية هو سِكَّة حديد الحِجاز؛ لتيسيرِ الحَجِّ على المسلمين، بحيث يستعاض بهذا المشروع عن طريقِ القوافل الذي كان يستغرق السفرُ به أربعين يومًا، وانخفضتِ المدة بالخطِّ الحديدي إلى أربعةِ أيام.

 وقد خَلَق هذا المشروعُ العملاق - الذي وصلت تكلفتُه 3 ملايين جنيه ، وقد استغرَق إنجازُه سبعَ سنين من 1320 - 1327 هـ - حماسةً دِينيةً بالِغة بعدَما نَشَر عبدالحميد الثاني بيانًا على المسلمين يدعوهم فيه للتبرُّع، وافتتح القائمة بمبلَغ كبير؛ فتهافتِ المسلمون من الهند والصين وبقية العالَم على التبرُّع، باعتبارِ أنَّ هذا المشروع هو مشروعُ المسلمين أجمعين، وتبرَّع السلطان بمبلغ (320) ألف لِيرة من ماله الخاص. وتبرَّع شاه إيران بخَمْسين ألفًا، وأرسل خديوي مصر عبَّاس حِلمي الثاني كميات كبيرة مِن موادِّ البناء، وتألَّفت في سائرِ الأقطار الإسلامية لجانٌ لجمْع التبرعات.

 

وأصدرتِ الدولة العثمانية طوابعَ (تمغات) لمصلحة المشروع، وجمعتْ جلود الأضاحي، وبِيعت وحُوِّلت أثمانها إلى ميزانية الخطّ، وبذلك انتقلتْ حماسة إنشاء الخطِّ الحجازي إلى العالَم الإسلامي، وكان مسلِمو الهند من أكثرِ المسلمين حماسةً له، ولم تقتصر تبرُّعات وإعانات المسلمين على الفتراتِ التي استغرقَها بناء الخط فحسبُ، بل استمرَّ دفعُها بعدَ وصوله إلى المدينة المنورة؛ أملاً في استكمالِ مَدِّه إلى مكة المكرمة.

 

وقد وصَل أوَّل قطار إلى المدينة المنورة في 1326هـ  وأقيم الاحتفالُ الرسمي لافتتاح الخطِّ الحديدي بعدَ ذلك بأسبوع؛ ليصادفَ تولي السلطان عبدالحميد الثاني السلطنة.

 

أسْدَى الخطُّ الحجازي خِدماتٍ جليلةً لحُجَّاج بيت الله الحرام؛ حيث استطاع حجَّاج الشام والأناضول قطعَ المسافة من دمشق إلى المدينة المنورة في خمسة أيَّام فقط بدلاً مِن أربعين يومًا، مع العِلم أنَّ الوقت الذي كان يستغرِقه القطار هو (72) ساعة فقط، أما بقية الأيَّام الخمسة، فكانت تضيع في وقوفِ القطار في المحطات، وتَغيير القاطرات.

 

استمرَّتْ سِكَّة حديد الحجاز تعمل بيْن دمشق والمدينة المنورة ما يقرُب مِن تِسع سنوات، نقلت خلالَها التجَّار والحجَّاج.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب