السيف اصدق انباءً من الكتبِ

رأى الامبراطور تيوفيل البيزنطي فرصة انشغال المعتصم (ت227هـ) في مطاردة الخرميين , وأغار على الحدود الإسلامية وهاجم مدينة زبطرة وهي أقرب الثغور الإسلامية إلى أراضي الدولة البيزنطية , فأحرقها وخربها وقتل رجالها وسبى نساءها وأطفالها , وقد غضب المعتصم لهذا الحدث خصوصا وأنه كان يعتز بهذه المدينة كونها مسقط رأس والدته , ويذكر ابن الأثير أن امرأة هاشمية أخذت تصيح عندما وقعت في أسر الروم "وا معتصماه" فلما بلغ ذلك المعتصم أقسم بأن ينتقم من الروم وأن يخرب مدينة عمورية مسقط رأس والد الامبراطور البيزنطي وأهم مدينة في آسيا الصغرى , ثم جمع المعتصم جيشا كبيرا بلغ تعداده خمسمائة الف جندى , تولى قيادته بنفسه كما ساعده كبار قواده كحيدر بن كاوس (الافشين) وأشناس , ويقال أن اسم عمورية كان منقوشا على درع كل جندي في الجيش . وتقدم المعتصم بجيوشه حتى التقى بجيش تيوفيل فقامت بين الجيشين معركة انتهت بانتصار جيش المعتصم , ثم توجه إلى مدينة عمورية وضرب حصارا عليها وبعد الحصار الشديد تمكن المعتصم من اقتحام عمورية عنوة وتخريبها وأسر من فيها . وقد وصف الشاعر أبو تمام انتقام المعتصم واقتحام عمورية عنوة وتخريبها وأسر من فيها بقوله : 
السيف أصدق أنباءً من الكتب
              في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
                   متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعةً
       بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما
           صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذب
تخرصاً وأكاذيباً ملفقة
                ليست بنبعٍ إذا عدت ولا غرب
عجائباً زعموا الأيام مجفلةً
          عنهن في صفر الأصفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمةٍ
           إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وصيروا الأبراج العليا مرتبة
                ما كان منقلباً أو غير منقلب
يقضون بالأمر عنها وهي غافلةٌ
                   ما دار في فلكٍ وفي قطب
لو بنيت قط أمراً قبل موقعه
           لم تخف ما حل بالأوثان والصلب
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به
          نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطب
فتح تفتح أبواب السماء له
            وتبرز الأرض في أثوابها القشب
يا يوم وقعة عمورية انصرفت
              عنك المنى حفلاً متسولة الحلب
أبقيت جد بني الإسلام في صعدٍ
           والمشركين ودار الشرك في صبب
أم لهم لو رجوا أن تفتدي جعلوا
                        فداءها كل أمٍ برةٍ وأب
وبرزة الوجه قد أعيت رياضتها
       كسرى وصدت صدوداً عن أبي كرب
بكرٌ فما اقترعتها كف حادثهٍ
                    ولا ترقت إليها همة النوب
من عهد إسكندرٍ أو قبل ذلك قد
      شابت نواصي الليالي وهي لم تشب
حتى إذا مخض الله السنين لها
          مخض البخيلة كانت زبدة الحقب
أتتهم الكربة السوداء سادرةً
             منها وكان اسمها فراجة الكرب
جرى لها الفأل برحاً يوم أنقرةٍ
        إذ غودرت وحشة الساحات والرحب
لما رأت أختها بالأمس قد خربت
          كان الخراب لها أعدى من الحرب
كم بين حيطانها من فارسٍ بطلٍ*
            قاني الذوائب من آني دمٍ سرب
بسنة السيف، والحناء من دمه*
           لا سنة الدين والإسلام مختضب
لقد تركت أمير المؤمنين بها*
          للنار يوماً ذليل الصخر والخشب
غادرت فيها بهيم الليل وهو ضحى*
              يشله وسطها صبحٌ من اللهب
حتى كأن جلابيب الدجى رغبت*
            عن لونها وكأن الشمس لم تغب
ضوءٌ من النار والظلماء عاكفةٌ*
       وظلمةٌ من دخانٍ في ضحىً شحب
تدبير معتصمٍ بالله منتقمٍ*
                   لله مرتقبٍ في الله مرتغب
ومطعم النصر لم تكهم أسنته*
         يوماً ولا حجبت عن روح محتجب
لم يغز قوماً ولم ينهد إلى بلدٍ*
                 إلا تقدمه جيشٌ من الرعب
رمى بك الله برجيها فهدمها
             ولو رمى بك غير الله لم يصب
لبيت صوتاً زبطرياً هرقت له
        كأس الكرى ورضاب الخرد العرب
أجبته معلناً بالسيف منصلتاً
           ولو أجبت بغير السيف لم تجب
خليفة الله جازى الله سعيك عن
         جرثومة الدين والإسلام والحسب
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها
             تنال إلا على جسرٍ من التعب
إن كان بين صروف الدهر من رحمٍ
             موصولةٍ أو ذمامٍ غير منقضب
فبين أيامك اللاتي نصرت بها
                 وبين أيام بدرٍ أقرب النسب
أبقت بني الأصفر الممراض كاسمهم
            صفر الوجوه وجلت أوجه العرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب