أول بروز نجم لبيد بن ربيعة
وفد أبو براء ملاعب الأسنة -وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب- وإخوته طفيل ومعاوية وعبيدة ، ومعهم لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر(ت41هـ) ، وهو غلام ، على النعمان بن المنذر ، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي ، وكان الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له : سرجون بن نوفل ، -وكان حريفاً للنعمان- يعني سرجون- يبايعه ، وكان أديباً حسن الحديث والمنادمة ، فاستخفه النعمان ، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي- متطبب كان له- وإلى الربيع بن زياد ، وكان يدعى الكامل . فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم ، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم ، وذكر معايبهم ، ففعل ذلك بهم مراراً ، وكانت بنو جعفر له أعداء، فصده عنهم ، فدخلوا عليه يوماً فرؤوا منه تغيراً وجفاء ، وقد كان يكرمهم قبل ذلك ويقرب مجلسهم ، فخرجوا من عنده غضاباً ، ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم ، ويغدو بإبلهم كل صباح ، فيرعاها ، فإذا أمسى انصرف بإبلهم ، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع ، وما يلقون منه ؛ فسالهم فكتموه ، فقال لهم : والله لا أحفظ لكم متاعاً ، ولا أسرح لكم بعيراً أو تخبروني وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس ، وكانت يتيمة في حجر الربيع ، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك ، وصد عنا وجهه ، فقال لهم لبيد بن ربيعة : هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممض ، ثم لا يلتف النعمان إليه بعده أبداً . فقالوا : وهل عندك من ذلك شيء ? قال : نعم ، قالوا : فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض ، تدعى التربة - فقال : هذه التربة التي لا تذكى ناراً ، ولا تؤهل داراً ، ولا تسر جاراً ، عودها ضئيل ، وفرعها كليل ، وخيرها قليل ، بلدها شاسع ، ونبتها خاشع ، وآكلها جائع ، والمقيم عليها ضائع ، أقصر البقول فرعاً ، وأخبثها مرعى ، وأشدها قلعاً ، فتعساً لها وجدعاً ، القوا بي أخا بني عبس ، أرجعه عنكم بتعس ونكس ، وأتركه من أمره في لبس . فقالوا : نصبح فنرى فيك رأينا . فقال لهم عامر : انظروا غلامكم ؛ فإن رأيتموه نائماً فليس أمره بشيء ، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه ، ويهذي بما يهجس في خاطره ، وإذا رأيتموه ساهراً فهو صاحبكم . فرمقوه بأبصارهم ، فوجدوه قد ركب رحلاً ، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح .
فلما أصبحوا قالوا : أنت والله صاحبنا ، فحلقوا رأسه ، وتركوا ذؤابتين ، وألبسوه حلة ، ثم غدوا به معهم على النعمان بن منذر ، فوجدوه يتغذى ومعه الربيع وهما يأكلان ، ليس معه غيره ، والدار والمجالس مملوءة من الوفود . فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه ، وقد كان تقارب أمرهم ، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم ، فاعترض الربيع في كلامهم ،يوشوش عليهم الملك ، فقام لبيد يرتجز، ويقول:
يَا رُبَّ هَيْجَا هيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهُ *
أكُلَّ يَوْمٍ هامتي مُقَرَّعَهْ
نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِينَ الأرْبَعَةْ
وَنَحْنُ خَيْرُ عامر بنِ صَعْصَعهْ
المُطْعِمُونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ
وَالضَّارِبُونَ الهَامَ تَحْتَ الخَيضَعَهْ
يا واهبَ الخَيْرِ الكَثِيرِ مِنْ سَعَهْ
إليكَ جَاوَزْنَا بلاداً مَسْبَعَهْ
نُخْبر عَنْ هذَا خَبِيراً فَاْسمَعَهْ
مَهْلاً أبيْتَ اللَّعْنَ لاَ تَأْكُلْ مَعَهْ
إنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ
وَإنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إصْبَعَهْ
يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِى أشْجَعَهْ
كأنَّهُ يَطْلُبُ شَيئاً أْطْمَعَهُ
تعليقات
إرسال تعليق