مثل لنفسك أيها المغرور

الملك العادل المجاهد نور الدين محمود زنكي (ت569هـ) أنه استعرض جيشه في دمشق ، وعمل مهرجاناً ضخماً حضره الأمراء والوزراء والقواد، وحضره الناس وأهل دمشق في مقام بهيج وفي حفل مرعب ، ولما اكتمل هذا الحفل دخل أحد علماء الإسلام اسمه ابن الواسطي ، دخل ببردته ووقف أمام السلطان ثم قال له :استمع أيها السلطان لموعود سلطان السموات والأرض ، فتوقف الناس وخمد المهرجان وانتظروا ماذا يقول هذا الواعظ ، فقال لهذا السلطان وهو على سرير الملك :

مثل وقوفك أيها المغرور
                   يوم القيامة والسماء تمور
إن قيل نور الدين رحت مسلما
               فاحذر بأن تبقى وما لك نور
أنهيت عن شرب الخمور وأنت في
                 كأس المظالم طائش مخمور
عطلت كاسات المدام تعففا
                  وعليك كاسات الحرام تدور
ماذا تقول إذا نقلت إلى البلى
                      فردا وجاءك منكر ونكير ؟
ماذا تقول إذا وقفت بموقف
                    فردا ذليلاً وحساب عسير ؟
وتعلقت فيك الخصوم وأنت في
                يوم الحساب مسلسل مجرور
وتفرقت عنك الجنود وأنت في
                    ضيق القبور موسد مقبور
ووددت أنك ما وليت ولاية 
                       يوماً ولا قال الأنام أمير
وبقيت بعد العز رهن حفيرة
                    في عالم الموتى وأنت حقير
وحشرت عرياناً حزيناً باكياً
                   قلقا وما لك في الانام مجير
أرضيت أن تحيا وقلبك دارس
                عافى الخراب وجسمك المعمور
أرضيت أن يحظى سواك بقربه
                         أبداوأنت معذب مهجور
مهد لنفسك حجة تنجو بها
                      يوم المعاد ويوم تبدو العور

فلما سمع نور الدين هذه الابيات بكى بكاء شديدا، وأمر بوضع المكوس والضرائب في سائر البلاد .
وكانت المكوس والضرائب تؤخذ للجهاد في سبيل الله ولفتح الحصون والقلاع المغتصبه من قبل الصليبين .
ذكر شيخ الاسلام بن تيمية هذا السلطان فقال :رحم الله تلك العظام ، لأن تقوى الله يوزعها على البشر سبحانه وتعالى لا تختص بغني ولا فقير ، ولا كبير ولا صغير ، ولا أحمر ولا أسود ، إنما يوزعها سبحانه وتعالى ، لأنه يعلم القلوب التي تستاهل الهداية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب