الحمد لله الذي سلمنا منه
وقيل لعضد الدولة: إن أهل بغداد قد قلوا كثيرا بسبب الطاعون، وما وقع بينهم من الفتن بسبب الرفض والسنة وأصابهم حريق وغرق، فقال: إنما يهيج الشر بين الناس هؤلاء القصاص والوعاظ، ثم رسم أن أحدا لا يقص ولا يعظ في سائر بغداد، ولا يسأل سائل باسم أحد من الصحابة، وإنما يقرأ القرآن فمن أعطاه أخذ منه.
فعمل بذلك في البلد، ثم بلغه أن أبا الحسين ابن سمعون الواعظ - وكان من الصالحين - لم يترك الوعظ بل استمر على عادته.
فأرسل إليه من جاء به، وتحول عضد الدولة من مجلسه وجلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون إليه بين الدولة كلام يكرهه، وقيل لابن سمعون: إذا دخلت على الملك فتواضع في الخطاب وقبل التراب.
فلما دخل دار الملك وجده قد جلس وحده لئلا يبدر من ابن سمعون في حقه كلام بحضرة الناس يؤثر عنه.
ودخل الحاجب بين يديه يستأذن له عليه ودخل ابن سمعون وراءه، ثم استفتح القراءة بقوله: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ... } الآية [هود: 102] ثم التفت بوجهه نحو دار عز الدولة ثم قرأ: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [يونس: 14] ثم أخذ في مخاطبة الملك ووعظه، فبكى عضد الدولة بكاءً كثيرا، وجزاه خيرا.
فلما خرج من عنده قال للحاجب: اذهب فخذ ثلاثة آلاف درهم، وعشرة أثواب وادفعها له فإن قبلها جئني برأسه.
قال الحاجب: فجئته.
فقلت: هذا أرسل به الملك إليك.
فقال: لا حاجة لي به، هذه ثيابي من عهد أبي منذ أربعين سنة، كلما خرجت إلى الناس لبستها، فإذا رجعت طويتها ولي دار آكل من أجرتها، تركها لي أبي، فأنا في غنية عما أرسل به الملك.
فقلت: فرقها في فقراء أهلك.
فقال: فقراء أهله أحق بها من فقراء أهلي، وأفقر إليها منهم.
فرجعت إلى الملك لأشاوره وأخبره بما قال، فسكت ساعة، ثم قال: الحمد لله الذي سلمه منا وسلمنا منه.
تعليقات
إرسال تعليق