؛ فكم دون ماتبغون لله من ستر
ابن حزم الأندلسي ، تعرض له الفقهاء عصره الجاحدين المنتفعين من مناصبهم ، تمكن هؤلاء أن يؤلبوا عليه المعتضد بن عباد أمير اشبيلية ، فاصدر قراراً بهدم دوره ومصادرة أمواله وحرق كتبه *وهذا شأن علماء السلطان حينما يخلطون بين العلم والحسد* ، فرض عليه ألاّ يغادر بلدة أجداده منت ليشم من ناحية لبلة ، وألا يفتي أحد بمذهب مالك أو غيره ، كما توعد من يدخل إليه بالعقوبة ، وهناك توفي سنة 1064 م ، ولما أحرقت مؤلفاته تألم كثيراً وقال أبيات يُسلي فيها عن نفسه يقول :
إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي
تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يقيم معي حيث استقلت ركائبي
وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
دعوني من إحراق ورق وكاغد
وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإلاّ فعدوا بالكتاتيب بدءة
فكم دون ما تبغون لله من ستر
كذاك النصارى يحرقون إذا علت
أكفهم القرآن في مدن الثغر
ومن أقواله :
* إذا حضرتَ مجلسَ علمٍ فلا يكن حضورُكَ إلا حضور مُستزيد علمًا وأجرًا ، لا حضور مُستغنٍ بما عندكَ ، طالبًا عثرة تشيّعها أو غريبة تشنِّعها ؛ فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلمِ أبدا
* ثقْ بالمُتديِّن وإن كان على غير دينك ، ولا تثق بالمُستخفِّ وإن أظهر أنه على دينك
* بابٌ عظيمٌ من أبواب العقل والرَّاحة ؛ وهو اطِّراحُ المبالاة بكلام النَّاس ، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عزَّ وجلَّ بل هذا بابُ العقل كلِّه والرَّاحة كلِّها
* من قدّر أنه يسلم من طعن الناس، وعيبهم فهو مجنون
* لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدُّخلاء فيها وهم مِن غير أهلها ؛ فإنّهم يجهلون ويظنُّون أنهم يعلمون ، ويُفسدون ويقدرون أنهم يصلحون
* لا تحقر شيءً مِن عمَل غدٍ أن تحقّقه بأنْ تعجله اليوم وإن قَلّ ؛ فإنّ من قليل الأعمال يجتمع كثيرها وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل ، ولا تحقر شيءً مما ترجو به تثقيل ميزانكَ يوم البعث أن تعجله الآن وإن قَلّ ؛ فإنه يحطُّ عنكَ كثيرًا لو اجتمع لقذف بكَ في النار
* من ساوى بين عدوه وصديقه في التقريب والرفعة لم يزد على أن زهد الناس في مودته ، وسهل عليهم عداوته ، ولم يزد على استخفاف عدوه له ، وتمكينه من مقاتله ، وإفساد صديقه على نفسه ، وإلحاقه بجمله أعدائه
تعليقات
إرسال تعليق