غزالة والحجاج
كانت غزالة شديدة البأس تقاتل قتالاً شديداً يعجز عنه الأبطال من الرجال ، وقد بعث الحجّاج خمسة قوّاد لمحاربة شبيب (زوج غزالة) ، فهزمهم جميعاً، ثم خرج شبيب من الموصل يريد مهاجمة الكوفة ومعه غزالة ، وخرج الحجّاج من البصرة يريد الكوفة أيضاً ، وأسرع شبيب لملاقاته قبل وصوله الكوفة ، ولكن الحجّاج كان أسرع منه ، فدخل الكوفة وتحصّن في قصر الإمارة خوفاً من ملاقاة شبيب وغزالة ، وقد عيّره الشعراء بذلك ، ومنهم عمران بن حِطّان وكان ملاحقاً من الحجّاج، فقال يعيّره بهروبه من لقاء غزالة واختبائه في دار الإمارة :
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ
فتخاء تنفرُ من صفير الصَّافرِ
هلاّ برزتَ إلى غزالةَ في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائرِ
صدعت غزالة قلبه بفوارس
تركت مدابره كأمس الدابرِ
ودخل شبيب الكوفة ومعه أمه جهيزة وزوجته غزالة عند الصباح ، وكانت غزالة قد نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصلّي فيه ركعتين ، تقرأ في الأولى سورة «البقرة»، وفي الثانية سورة «آل عمران»، وقد جاؤوا إلى الجامع في سبعين رجلا ً، فصلّت فيه غزالة ركعتين وخرجت من نذرها وهي محاطة بمظاهر التقدير والاحترام ، ولكن أهل الكوفة قد أقلقتهم كثيراً، فقالوا في تلك السنة :
وفت الغزالة نذرها يا ربّ لا تغفر لها
وظلّ شبيب ومعه غزالة على رأس قوّة من الخوارج يحاربون الحجّاج حتى هزموا له عشرين جيشاً في مدّة سنتين ، وقد دخل شبيب الكوفة للمرّة الثانية على رأس ألف مقاتل ومعه غزالة على رأس مئتين من نساء الخوارج ، وقد تقلّدن السيوف وحملن الرماح ، ووصلوا إلى المسجد الجامع بعدما قتلوا حرّاسه ومن كان فيه ، ونصّب شبيب غزالة على المنبر، فخطبت فيمن حضر .
مروج الذهب للمسعودي
تعليقات
إرسال تعليق