هارون الرشيد والفضل بن يحيى

لما قتل الرشيد (ت193هـ) جعفر بن يحيى البرمكي  قبض على أبيه يحيى وأخيه الفضل المذكور، وكان عنده ، ثم توجه الرشيد إلى الرقة وهما معه وجميع البرامكة في التوكيل غير يحيى ، فلما وصلوا إليها وجه الرشيد إلى يحيى أن أقم بالرقة أو حيث شئت ، فوجه إليه : إني أحب أن أكون مع ولدي ، فوجه إليه : أترضى بالحبس ؟ فذكر أنه يرضى به ، فحبس معهم ، ووسع عليهم ، ثم كانوا حينا يوسع عليهم وحينا يضيق عليهم حسبما ينقل إليه عنهم ، واستصفى أموال البرامكة . ويقال : إن الرشيد سير مسرورا الخادم إلى السجن ، فجاءه فقال للمتوكل بهما : أخرج إلي الفضل ، فأخرجه ، فقال له : إن أمير المؤمنين يقول لك : إني قد أمرتك أن تصدقني عن أموالكم ، فزعمت أنك قد فعلت ، وقد صح عندي أنك بقيت لك أموالا كثيرة ، وقد أمرني إن لم تطلعني على المال أن أضربك مائتي سوط ، وأرى لك أن تؤثر مالك على نفسك ، فرفع الفضل رأسه وقال : والله ما كذبت فيما أخبرت به ، ولو خيرت بين الخروج من ملك الدنيا وأن أضرب سوطا واحدا لاخترت الخروج ، وأمير المؤمنين يعلم ذلك ، وأنت تعلم أنا كنا نصون أعراضنا بأموالنا، فكيف صرنا نصون أموالنا بأنفسنا ؟ فإن كنت قد أمرت بشيء فامض له ،  فأخرج مسرورا أسواطا كانت معه في منديل ، وضربه مائتي سوط ، وتولى ضربه الخدم فضربوه أشد الضرب ، وهم لا يحسنون الضرب ، فكادوا أن يتلفوه وتركوه ، وكان هناك رجل بصير بالعلاج فطلبوه لمعالجته ، فلما رآه قال : يكون قد ضربوه خمسين سوطا، فقيل : بل مائتي سوط ، فقال : ما هذا إلا أثر خمسين سوطا لا غير، ولكن يحتاج أن ينام على ظهره على بارية وأدوس صدره ، فجزع الفضل من ذلك ثم أجاب إليه ، فألقاه على ظهره وداسه ، ثم أخذ بيده وجذبه عن البارية ، فتعلق بها من لحم ظهره شيء كثير، ثم أقبل يعالجه ، إلى أن نظر يوما إلى ظهره ، فخر المعالج ساجدا لله تعالى ، فقيل له : ما بالك ؟ فقال : قد برئ وقد نبت في ظهره لحم حي ، ثم قال : ألست قلت هذا ضرب خمسين سوطا ، أما والله لو ضرب ألف سوط ما كان أثرها بأشد من هذا الأثر، وإنما قلت ذلك حتى تقوى نفسه فيعينني على علاجه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب