صنت نفسي عما يدنس نفسي

يسر الله لي الجلوس مع إستاذنا القدير أ : محمد بن علي العبد اللطيف فأمتعنا وأستمتعنا بحديثة ومما أمتعنا به سينية البحتري (ت284هـ) فأحببت نقلها لكم .

امتطى البحتري مطيته حاملاً همومه إلى بلاد الفرس البالية ، لعله يجد في مصيبتها بفقد أهلها ما يخفف من مصيبته وفجيعته بفقد المتوكل وشعوره بالجفوة من قبل المنتصر والقصيدة تقع في ستة وخمسين بيتا ، عشرة منها في ذكر حاله و شكوى دهره ، وستة في السبب التاريخي لهذه الوقفة ، ثم ستة في ذكر عظمة الفرس ، وستة في ذكر أحوال خاصة. وما بقي وصف للإيوان وقد تفنن فيه الشاعر في الوصف ،و قد فاضت خواطره و تأملاته و آلامه
 
فيقول :
 
صنت نفسي عما يدنس نفسي ***وترفعت عن جدا كل جبس
وتماسكت حين زعزعني الدهـ *** ـر التماسا منه لتعسي ونكسي 

بلغ من صبابة العيش عندي *** طففتها الأيام تطفيف بخس

وبعيد مابين وارد رفه *** علل شربه ووارد خمس

وكأن الزمان أصبح محمو *** لا هواه مع الأخس الأخس

واشترائي العراق خطة غبن*** بعد بيعي الشآم بيعة وكس

لاترزني مزاولا لاختباري<*** بعد هذي البلوى فتنكر مسي

وقديما عهدتني ذا هنات *** آبيات على الدنيات شمس

ولقد رابني ابن عمي*** بعد لين من جانبيه وأنس

وإذا ماجفيت كنت جديرا *** أن أرى غير مصبح حيث أمسي

حضرت رحلي الهموم فوجهـ *** ـت إلى أبيض المدائن عنسي

أتسلى عن الحظوظ وآسى *** لمحل من آل ساسان درس

أذكرتنيهم الخطوب التوالي*** ولقد تذكر الخطوب وتنسي

وهم خافضون في ظل عال *** مشرف يحسر العيون ويخسي

مغلق بابه على جبل القبـ *** ـق إلى دارتي خلاط ومكس

حلل لم تك كأطلال سعدى *** في قفار من البسابس ملس

ومساع لولا المحاباة مني *** لم تطقها مسعاة عنس وعبس

نقل الدهر عهدهن عن الـ *** ـجدة حتى رجعن أنضاء لبس

فكأن الجرماز من عدم الأنـ *** ـس وإخلاله بنية رمس

لو تراه علمت أن الليالي *** جعلت فيه مأتما بعد عرس

وهو ينبيك عن عجائب قوم *** لايشاب البيان فيهم بلبس

وإذا مارأيت صورة أنطا*** كية ارتعت بين روم وفرس

والمنايا مواثل وأنوشر *** وان يزجى الصفوف تحت الدرفس

في اخضرار من اللباس على أصـ*** ـفر يختال في صبيغة ورس

وعراك الرجال بين يديه*** في خفوت منهم وإغماض جرس

من مشيح يهوى بعامل رمح *** ومليح من السنان بترس

تصف العين أنهم جد أحيا *** ء لهم بينهم إشارة خرس

يغتلي فيهم ارتابي حتى *** تتقراهم يداي بلمس

قد سقاني ولم يصرد أبو الغو *** ث على العسكرين شربة خلس

من مدام تظنها وهي نجم *** ضوأ الليل أو مجاجة شمس

وتراها إذا أجدت سرورا*** وارتياحا للشارب المتحسي

أفرغت في الزجاج من كل قلب*** فهي محبوبة إلى كل نفس

وتوهمت أن كسرى أبرويـ *** ـز معاطي والبلهبذ أنسي

حلم مطبق على الشك عيني *** أم أمان غيرن ظني وحدسي

وكأن الإيوان من عجب الصنـ *** ـعة جوب في جنب أرعن جلس

يتظنى من الكآبة إذ يبـ *** ـدو لعيني مصبح أو ممسي

مزعجا بالفراق عن أنس إلف *** عز أو مرهقا بتطليق عرس

عكست حظه الليالي وبات الـ *** ـمشتري فيه وهو كوكب نحس

فهو يبدي تجلدا وعليه *** كلكل من كلاكل الدهر مرسي

لم يعبه أن بز من بسط الديـ *** ـباج واستل من ستور المقس

مشمخر تعلو له شرفات *** رفعت في رؤوس رضوى وقدس

لابسات من البياض فما تبـ *** ـصر منها إلا غلائل برس

ليس يدرى أصنع إنس لجن *** سكنوه أم صنع جن لإنس

غير أني أراه يشهد أن لم*** يك بانيه في الملوك بنكس

فكأني أرى المراتب والقو*** م إذا ما بلغت آخر حسي

وكأن الوفود ضاحين حسرى *** من وقوف خلف الزحام وخنس

وكأن القيان وسط المقاصيـ *** ـر يرجعن بين حو ولعس

وكأن اللقاء أول من أمـ *** ـس ووشك الفراق أول أمس

وكأن الذي يريد اتباعا *** طامع في لحوقهم صبح خمس

عمرت للسرور دهرا فصارت *** للتعزي رباعهم والتأسي

فلها أن أعينها بدموع*** موقفات على الصبابة حبس

ذاك عندي وليست الدار داري *** باقتراب منها ولا الجنس جنسي

غير نعمى لأهلها عند أهلي *** غرسوا من زكائها خير غرس

أيدوا ملكنا وشدوا قواه*** بكماة تحت السنور حمس

وأعانوا على كتائب أريا *** ط بطعن على النحور ودعس

 
 وأراني من بعد أكلف بالأشـ *** ـراف طرا من كل سنخ وأس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أبوكبير الهذلي وتأبط شراً

جرير والفرزدق والأخطل والاعرابي

من حكم العرب